«المجاعة» والأسعار تطاردان سكان العالم

تتسع مخاوف العالم من تداعيات قرار الهند أكبر مصدر للأرز في العالم، حظر تصديره، تزامناً مع إعلان روسيا انسحابها من اتفاقية الحبوب التي أبرمت العام الماضي برعاية أممية، وهو الأمر الذي أثار المخاوف من حدوث أزمة غذاء على نطاقات واسعة، بعد أن باتت المجاعة وارتفاع الأسعار تطاردان العالم.

وألقت الحرب في أوكرانيا، التي اندلعت في فبراير 2022، بظلالها سلباً على جميع دول العالم بلا استثناء، حيث تأثرت كبرى اقتصادات الدول المتقدمة، إضافة إلى الدول النامية التي باتت تعاني تفاقم أزمات الغذاء بسبب تعطل سلاسل الإمداد والتوريد.

وعقب «صدمة» إعلان روسيا إنهاء اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، المعروف باتفاق البحر الأسود، تفاقمت مخاوف العالم من قرار جديد، صدر هذه المرة من الهند، بحظر تصدير الأرز، وبين القرارين وقع كثير من سكان العالم في مأزق حاد، كون السلعتين تعدان الأكثر استراتيجية في غذاء الشعوب.

ارتفاع الأسعار العالمية

وأعلنت الحكومة الهندية، أكبر مصدر للأرز في العالم، في بيان مؤخراً، منع تصدير الأرز الأبيض باستثناء البسمتي «بمفعول فوري»، في قرار قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية للأرز.

وقالت وزارة شؤون المستهلك والأغذية الهندية في تبريرها للحظر إن «حظر تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي سيؤدي إلى خفض الأسعار بالنسبة للمستهلكين في البلاد». ومن المتوقع أن تساعد الخطوة الأخيرة في إبقاء الأسعار المحلية للأرز تحت السيطرة.

وكانت الأمطار الغزيرة قد تسببت في حدوث أضرار طالت محاصيل في البلاد، كما ارتفعت أسعار الأرز بما يزيد على 11 في المئة خلال الإثني عشر شهراً الماضية.

وقالت وزارة شؤون المستهلك في الهند، خلال إعلانها عن تغيير السياسة المتبعة، إن الأرز الأبيض غير البسمتي يمثل حالياً نحو ربع صادرات الهند من الأرز.

وحذر خبراء من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، وقالت إيما وول، رئيسة تحليل بحوث الاستثمار في مؤسسة هارغريفز لانسداون: «بصراحة إن ذلك سيكون له تأثير كبير على أسعار الغذاء العالمية»، بحسب «بي بي سي».

وتعد الهند أكبر مصدر للأرز في العالم، حيث تسهم بما يزيد على 40 في المئة من الشحنات العالمية، كما يجري تصدير الأرز غير البسمتي بشكل رئيسي إلى دول في آسيا وإفريقيا.

وكانت الحكومة الهندية قد فرضت خلال العام الماضي ضريبة تصدير بنسبة 20 في المئة تهدف إلى الحد من المبيعات الأجنبية، كما حظرت تصدير القمح والسكر.

غذاء أساسي للسكان

وتعتبر الحبوب غذاءً أساسياً لنحو نصف سكان العالم، حيث تستهلك آسيا نحو 90 في المئة من الإمدادات العالمية. وتشمل الوجهات الرئيسية للأرز الهندي كلاً من بنغلاديش والصين وبنين ونيبال، إضافة إلى عدد كبير من دول منطقة الشرق الأوسط.

وتتعرض الإمدادات الغذائية لضغوط بالفعل، بعد انسحاب روسيا من اتفاقية البحر الأسود، وغيره من السلع الغذائية الأساسية، إذ بات العالم مجبراً على الاستسلام لهرم الأولويات.

تزامن مع تلك التطورات بشأن اتفاقية الحبوب، والارتفاعات العالمية بأسعار القمح، قرار الهند بحظر تصدير الأرز، في ضوء تصاعد المخاوف المرتبطة بظاهرة «إل نينيو» على الإمدادات الزراعية، وهي ظاهرة مناخية عالمية، حيث يؤثر تغير الحرارة في أحد المحيطات على الجو بمنطقة أخرى بعيدة، ما حرّك أسعار الأرز نحو أقرب مستوى له منذ 10 أعوام.

قلق التجار

وكانت الحرب في أوكرانيا التي اندلعت العام الماضي قد تسبب في ارتفاع أسعار المواد، كما أعلنت الحكومة الروسية مؤخراً فرض حظر على تصدير الأرز وجريش الأرز حتى 31 ديسمبر 2023، بهدف الحفاظ على استقرار السوق المحلية.

ويشعر التجار بالقلق من تقلص الإمدادات بعد انهيار اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وكذلك بعد حظر تصدير الأرز من جانب الهند.

ويعتبر الأرز مكوّناً أساسياً للوجبات الغذائية لمليارات الأشخاص في آسيا وإفريقيا، وسيؤجّج ارتفاع أسعاره الضغوط التضخمية، وزيادة تكاليف استيراده لدى المشترين.

أزمة عالمية

وكانت وكالة فيتش في وقت سابق، قد حذرت من أزمة أرز عالمية حيث ينخفض إنتاج الأرز مما ينعكس على الأسعار التي سيعانيها 3.5 مليار شخص من الصين إلى الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، لا سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي تستهلك 90% من أرز العالم.

وأشارت إلى أنه من المتوقع أن يسجل سوق الأرز العالمي أكبر عجز له منذ عقدين في عام 2023.

وقال تشارلز هارت محلل السلع في شركة فيتش: «على المستوى العالمي، كان التأثير الأكثر وضوحاً لعجز الأرز العالمي ولا يزال ارتفاع أسعار الأرز منذ عقد».

وبلغ متوسط سعر الأرز 17.30 دولار للطن الواحد خلال عام 2023 حتى الآن، وسوف يتراجع فقط إلى 14.50 دولارًا للطن الواحد في عام 2024، وفقًا للتقرير.

وأضاف: «بالنظر إلى أن الأرز هو السلعة الغذائية الأساسية في العديد من الأسواق في آسيا، فإن الأسعار هي المحدد الرئيسي لتضخم أسعار الغذاء والأمن الغذائي، خاصة بالنسبة للأسر الأشد فقراً».

وقال محللون لشبكة سي إن بي سي إن عجزًا بهذا الحجم لواحدة من أكثر الحبوب زراعة في العالم سيضر بالمستوردين الرئيسيين.

وتوقع التقرير أن يصل العجز العالمي لعام 2022-2023 إلى 8.7 مليون طن.

تلف المحصول

هناك نقص في إمدادات الأرز نتيجة الحرب المستمرة في أوكرانيا، فضلاً عن سوء الأحوال الجوية في الاقتصادات المنتجة للأرز مثل الصين وباكستان، في النصف الثاني من العام الماضي، حيث تعرضت مساحات من الأراضي الزراعية في الصين لأمطار موسمية صيفية غزيرة وفيضانات، ما تسبب في تلف المحصول.

وأصبح الأرز بديلاً أكثر جذباً بشكل متزايد بعد ارتفاع أسعار الحبوب الرئيسية الأخرى منذ الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022 ما أدى إلى زيادة الطلب عليه.

التأثير على المخزون

قال أوسكار تجاكرا، كبير المحللين في بنك الغذاء والزراعة العالمي، رابوبانك، إن انخفاض إنتاج الأرز على أساس سنوي في دول أخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ساهم أيضًا في العجز.

وتابع: «إن وضع عجز إنتاج الأرز العالمي سيزيد من تكلفة استيراد الأرز لكبار مستوردي الأرز مثل إندونيسيا والفلبين وماليزيا والدول الأفريقية في عام 2023».

تضخم الأسعار

ولا يزال تضخم أسعار المواد الغذائية المحلية مرتفعاً في جميع أنحاء العالم، إذ يُعد سكان كل من فنزويلا ولبنان وزيمبابوي والأرجنتين وسورينام الأكثر تضرراً من الأسعار، وفقاً للبنك الدولي.

وتظهر أحدث البيانات الشهرية المتاحة ارتفاع الأسعار أعلى من 5% في المناطق الآتية:

%61.1 من الاقتصادات منخفضة الدخل.

%79.1 من الاقتصادات ذات الدخل المتوسط الأدنى.

%70 من الاقتصادات ذات الدخل المتوسط الأعلى.

%78.9 من الاقتصادات مرتفعة الدخل.

وفقاً للقيمة الحقيقية، تجاوز تضخم أسعار الغذاء معدل التضخم الإجمالي في 79.8% من 163 دولة متاحة منها البيانات، حسبما أفاد البنك الدولي في آخر تحديث للأمن الغذائي.

ويؤدي ارتفاع أسعار سلع الطاقة التي تعد من مستلزمات الإنتاج الزراعي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2022، بلغ معدل تضخم أسعار المواد الغذائية في منطقة جنوب آسيا في المتوسط أكثر من 20%.

أمَّا معدل تضخم أسعار الأغذية في المناطق الأخرى ومنها أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإفريقيا جنوب الصحراء، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى فقد تراوح في المتوسط بين 12% و15%.

تدهور الأمن الغذائي

كما أن هناك تحذيرات لمنظمة «الفاو» وبرنامج الغذاء العالمي من تدهور الأمن الغذائي بـ 18 منطقة في 22 دولة، في الفترة من يونيو إلى نوفمبر 2023.

ولا تزال الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الأمطار الغزيرة والعواصف الاستوائية والأعاصير والفيضانات والجفاف وتقلبات المناخ قائمة، مما يؤثر في انعدام الأمن الغذائي في بعض البلدان والمناطق.

المصدر: صحيفة الخليج https://yasiuae.net/?feed_id=49008

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة والطفل يسكنان قلب سلطان

19 ابتكاراً جديداً مدعومة بالذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي "يعيد" المتوفين إلى عائلاتهم في الصين