عصر الكارثة الجديد | صحيفة الخليج

 يدخل العالم عصراً جديداً من الكارثة؛ إذ تواجه البشرية الآن تهديدات وجودية جديدة؛ متمثلة في جائحات على غرار «كورونا»، وحرائق الغابات والفيضانات والأعاصير وغيرها من الأحداث المناخية المتطرفة وخطر الحرب النووية. يناقش هذا الكتاب أن المصدر المشترك لأزمة متعددة الأبعاد، تبدأ مع النظام الرأسمالي.

يناقش الكتاب التدمير المتزايد للطبيعة، وتدهور العمالة، والاقتصاد العالمي الراكد منذ الأزمة المالية العالمية، وتصاعد الصراعات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا. ويجد المؤلف أنه حتى الآن، كان المستفيد السياسي الأكبر هو اليمين المتطرف الذي قد يستولي على البيت الأبيض مرة أخرى، لكن عصر الكارثة الجديد هو أيضاً عصر التمرد، ولن يتوقف ظهور حركات مثل «حياة السود مهمة»، واحتجاجات «مي تو»، والثورات في إفريقيا، وسريلانكا، وإيران؛ إذ ستؤدي خطوط الصدع المتعددة في الأنظمة إلى إثارة المزيد من الحركات الجماهيرية التي يمكن أن تتحدى أشكالاً لا تعد ولا تحصى من القمع، وتفتح الطريق أمام إحقاق العدالة، وتأسيس عالم مستدام.

 يقول في هذا السياق: «يعيش العالم في ظل كارثة، لقد أكدت جائحة «كورونا» أنه حتى التذرع بأزمة الرأسمالية لا يساعدنا بما فيه الكفاية لفهم خطورة محنتنا الراهنة. نحن نواجه أزمة حضارية، فأشكال المعيشة التي أصبحت ممكنة، بفضل تطور الرأسمالية الصناعية في أوائل القرن التاسع عشر، وأصبحت معممة بشكل متزايد في القرن العشرين لم تعد قابلة للحياة؛ بل إنها تدفعنا نحو الانهيار المجتمعي. إن أهم دافع طويل المدى لهذه العملية هو بالطبع تغير المناخ الذي أصبحت آثاره واضحة جداً في السنوات القليلة الماضية من خلال الفيضانات وحرائق الغابات والعواصف. علاوة على ذلك، لفت الوباء الانتباه إلى كيفية أن استعمار الطبيعة الذي سرّعت وتيرته العولمة الرأسمالية، قد زاد من احتمالية انتقال الفيروسات من الأنواع الأخرى إلى البشر. لكن التهديد لا يأتي فقط مما نرغب في اعتباره كارثة «طبيعية». في 27 فبراير/ شباط 2022، رد فلاديمير بوتين رئيس روسيا على العقوبات المالية الغربية المفروضة على الاقتصاد الروسي لمعاقبة غزوه لأوكرانيا، بإعلانه أنه كان يضع القوات النووية الروسية في حالة تأهب. لقد أدت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى فرار ملايين الأشخاص إلى دول أخرى، وتشريد الملايين داخلياً، وإخضاع السكان المدنيين لقصف مكثف. لم تعد الكارثة استثنائية بالفعل. أصبحت طبيعية. في ديسمبر/ كانون الأول 2020، نشر معهد بروكينغز دعوة للإدارة القادمة لجو بايدن لتشكيل لجنة بشأن «كورونا» مماثلة للجان التحقيقات في اغتيال كينيدي وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول. قالت الكاتبة إيلين كامارك: إن اللجنة يجب أن تعالج مسألة كيف يجب أن نستعد للأحداث ذات الاحتمالية المنخفضة، ولكنها في الوقت نفسه عالية الكثافة. من المفترض أن تكون أحداث «البجعة السوداء» (كما يُطلق عليها) نادرة وغير متوقعة، فهي تقع خارج النمط الطبيعي للأحداث، ولكن لها تأثيرها الكبير والمدمّر، لكن يبدو أنها سائدة بشكل متزايد في القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال، «سيؤدي تغير المناخ إلى جعل الكوارث الطبيعية أكثر تواتراً وفتكاً».

 تحوّل الاستثناء إلى قاعدة

 يشير المؤلف إلى أن الماركسيين فضلوا تركيزاً أكثر تحديداً على المستوى التاريخي، وأكثر تركيزاً على المستوى السياسي من المقاربات الأخرى، معتبرين أن الموضوع الجوهري للكارثة، يكمن في نمط الإنتاج الرأسمالي والإمبريالية. صاغت بشكل كلاسيكي روزا لوكسمبورغ في عام 1916، في كتابها «أزمة الاشتراكية - الديمقراطية الألمانية: كتيب جونيوس» بياناً ضد الحرب العالمية الأولى، قالت فيه: «إننا نقف اليوم، كما تنبأ فريدريك إنجلز منذ أكثر من جيل، أمام الاقتراح المريع: إما انتصار الإمبريالية وتدمير كل الثقافة، وكما في روما القديمة، هجرة السكان، والخراب، والانحطاط، ومقبرة واسعة، وإما انتصار الاشتراكية؛ أي النضال الواعي للبروليتاريا العالمية ضد الإمبريالية، وضد أساليبها، وضد الحرب».

 يعلق المؤلف: بعبارة أخرى، الاشتراكية أو البربرية. وبالفعل، أطلق إريك هوبسباوم على الفترة بين عامي 1914 و1945 اسم «عصر الكارثة» الذي جرت فيه الحربان العالميتان، والكساد العظيم، وانتصارات موسوليني الفاشية والاشتراكية الوطنية، والإرهاب الستاليني، وغيرها. كان لدى لوكسمبورغ إحساس عميق بهذه السلسلة من الكوارث التي كانت ضحية مبكرة لها، وتعرضت للضرب حتى الموت على يد ميليشيات فاشية في يناير/ كانون الثاني 1919. كما كان هناك ضحية أخرى لليمين المتطرف وهو والتر بنيامين الذي أطلق على الفترة التي تلت اندلاع الحرب العالمية الثانية مباشرة، عندما بدا كما لو أن هتلر وستالين كانا منتصرين، ب (حالة الطوارئ).

 انهارت طفرة ما بعد الحرب وسط تمرد العمال في أواخر الستينات وأوائل السبعينات. كانت النيوليبرالية هي الرد، وقد ميزت ما سماه ديفيد هارفي «استعادة سلطة الطبقة» إلى «النخب الاقتصادية». لقد ألحقت سلسلة من الهزائم الشديدة بالطبقة العاملة المنظمة، وأعادت هيكلة الإنتاج. يقول المؤلف: انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة وإحياء النمو الاقتصادي، مدفوعاً بتطور الفقاعات المالية التي حفزت الاستهلاك والاستثمار، أعطى درجة من المعقولية لادعاء فرانسيس فوكوياما أنه مع سقوط الأنظمة الستالينية انتهى التاريخ إلى انتصار الرأسمالية الليبرالية، مضيفاً: وبتيسير من الرقمنة المتزايدة للحياة، ارتفع الاستهلاك، خاصة بين الطبقات المتوسطة العليا والأثرياء المتضخمين والأثرياء في الشمال وفي الأجزاء الناجحة اقتصادياً في الجنوب. انتشرت الديمقراطية الليبرالية إلى ما وراء مناطقها الأساسية بعد الحرب في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان. لكن عصر الشعور الجيد هذا - من منظور غربي على الأقل – تعرض للاختراق أولاً بهجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن والحروب الرهيبة التي شنتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، ثم الأزمة المالية العالمية.

 كوارث بيئية

خلال العقود التي تلت عام 1945، وقعت الكارثة في الأفق كظل يلوح في الأفق. فالفوضى التي حذر الخبراء والنشطاء منها منذ فترة طويلة من جرّاء الاحتباس الحراري قد تحدث الآن هنا. لنأخذ على سبيل المثال إعصار «إيداي» الذي تسبب في فيضانات واسعة النطاق ووفيات في شرق إفريقيا في مارس/ آذار 2019. وضع الإعصار مدينة بيرا الموزمبيقية، تحت ستة أمتار من المياه، ودمر تسعة أعشار المدينة، وقتل ألف شخص. وفقاً للأمم المتحدة، تأثر ستة ملايين شخص بالفيضانات في شرق إفريقيا في عام 2020، أي خمسة أضعاف العدد قبل أربعة أعوام.

يوضح المؤلف أن مثل هذه الكوارث أصبحت طبيعية، مشيراً إلى أن حرائق الأمازون تسببت في عام 2019 في صدمة واسعة النطاق. منذ ذلك الحين، نشهد حرائق غابات وفيضانات في أستراليا وحرائق غابات متكررة على الساحل الغربي لأمريكا الشمالية (لدرجة أن الظلام حلّ ظهراً في سان فرانسيسكو في سبتمبر/ أيلول 2020) وفي اليونان. بالطبع، يمكن للدول الغنية مثل الولايات المتحدة وأستراليا التعامل بشكل أفضل مع كوارث بهذا الحجم. لكن، كما يظهر الوباء، أدت عقود من الخصخصة والتقشف إلى تقليص قدرات الدولة، ما جعل من الصعب على الحكومات الاستجابة بفاعلية. لقد أدى الوباء أيضاً إلى تجسيد سمة من سمات الأوبئة والمجاعات التي هي قديمة قدم المجتمع الطبقي، وهي الفقراء أكثر عرضة للكوارث لأنهم يفتقرون إلى الموارد لشراء طريقهم للخروج من الخطر.

 كوارث عصرنا

تعدّ الفكرة الموحدة لهذا الكتاب - الصادر عن دار بولايتي للنشر بالإنجليزية ضمن 256 صفحة في 2023 - استكشاف الوضع العالمي الجديد بأبعاده المختلفة ولكن المترابطة في الوقت عينه، ويعتمد المؤلف في ذلك على النقد الماركسي للاقتصاد السياسي، ويلخص كوارث عصرنا على أربعة مستويات؛ وهي: أولاً، بيولوجي: ويقصد بها التداعيات الملحوظة والناشئة عن علاقة الرأسمالية المدمرة بشكل متزايد مع الطبيعة. ثانياً، اقتصادي: الأزمة المالية العالمية وتداعياتها التي تفاقمت بسبب تأثير الوباء وأدت إلى الحرب الروسية الأوكرانية. ثالثاً، جيوبوليتيكي: محنة النظام الدولي الليبرالي الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وعولمته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. رابعاً: سياسي: ظهور اليمين المتطرف لأول مرة منذ الثلاثينات كلاعب سياسي جاد على نطاق عالمي.

يبدأ في الفصل الأول بتوضيح العصر المبكر للكارثة؛ وذلك كمعيار لفهم الحاضر. يبدأ في الفصل الثاني المناقشة الرئيسية باستكشاف العلاقة بين العمل والطبيعة، التي هي حجر الأساس لأي تكوين اجتماعي؛ يتم التعبير عن التحولات التي تمر بها هذه العلاقة في تطور القوى الإنتاجية للبشرية. يقول المؤلف: «السمة المهيمنة للكارثة الدائمة اليوم هي التدمير المتسارع للطبيعة منذ منتصف القرن العشرين وعواقبه الخطرة المتزايدة ظهرت بداية في الفوضى المناخية، والآن جائحة كورونا». يعتمد المؤلف هنا على أحد الإنجازات الرئيسية للدراسات الماركسية في العقدين الماضيين، وهي محاولات، لا سيما من جانب جون بيلامي فوستر ومايك ديفيس، لتطوير نقد ماركس لتدمير الرأسمالية للطبيعة. كما يعاين الطرق التي سعت بها الدول لإدارة الوباء - بشكل أساسي من خلال مزيج من الإكراه والإصلاحات التكنولوجية - وما يشير إليه هذا يشابه ما يسميه ميشيل فوكو «الحكومة» التي من خلالها ستسعى النخب إلى معالجة الكوارث المستقبلية.

 ينتقل الفصل الثالث إلى التركيز على الكيفية التي تكمن بها علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تتكون من التناقضات بين العمل ورأس المال وبين رؤوس الأموال المتنافسة، وأيضاً في مزيج من عدم الاستقرار الاقتصادي الشديد. ينظر الفصل الرابع إلى الإمبريالية، التي تُفهم على أنها تنشأ عند تقاطع المنافسة الاقتصادية والسياسية التي تتطور في ظل الرأسمالية. تأخذ هذه المنافسة اليوم شكل التنافس الجيوسياسي المتزايد، إلى جانب التكامل الاقتصادي العابر للحدود الوطنية: على المستوى العالمي، بين الولايات المتحدة والغرب، بشكل عام، ضد الصين وروسيا؛ إقليمياً، في صراعات دول الشرق الأوسط المختلفة، على سبيل المثال، لملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة بعد الهزيمة في العراق (تنتشر هذه النضالات الآن إلى إفريقيا جنوب الصحراء وآسيا الوسطى). يعلق المؤلف هنا قائلاً: «سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على القوة التدميرية لمثل هذه الصراعات».

 ينتقل المؤلف في الفصل الخامس إلى ما يسميه ماركس «البنية الفوقية القانونية والسياسية» و«القانونية أو السياسية أو الدينية أو الفنية أو الفلسفية». باختصار، الأشكال الأيديولوجية التي يدرك فيها البشر هذا الصراع [في القاعدة الاقتصادية للمجتمع] ويخوضونه. يعد التفاعل بين عدم الاستقرار الجيوسياسي وصعود اليمين المتطرف موضوعاً رئيسياً في هذا الفصل الذي يحلل الطيف المعاصر للعنصرية الشعبوية والفاشية الصريحة والعوامل المسؤولة عن انتشارهما. ينتقل الفصل السادس إلى استكشاف الجندر والإثنية كساحتين للنضال، كما يستكشف سياسات الكارثة، إذ يجد أنه من الواضح لم يعد مثيراً للجدل أن الحضارة الإنسانية الحالية تصبح غير مستدامة الآن.

صحيفة الخليج https://yasiuae.net/?p=174035&feed_id=16101

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرأة والطفل يسكنان قلب سلطان

19 ابتكاراً جديداً مدعومة بالذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي "يعيد" المتوفين إلى عائلاتهم في الصين